”مها”..فراشة ”الاستقصاء” تحلق بأحلامها داخل أروقة ”صاحبة الجلالة”
الأكثر مشاهدة
"شغف وقضية" هكذا عرفت الفتاة العشرينة مهنة "البحث عن المتاعب"، جعلت الصحافة الاستقصائية نصب أعينها، حتى وصلت إلى منصة "أريج" لتحقق حلمها الأول، تصف كل تحقيق لها بمولودها، فتارة تذهب إلى حدود البلاد لتستقبل العائدين من ليبيا بعد ذبح "داعش" لـ21 مصريا، وتارة آخرى تذهب بأحلامها وتصعد "جبل موسى" ثاني أعلى قمة جبلية في مصر، وتذهب إلى الفساد أينما كان فنجدها بين أروقة المستشفيات لتكشف الغطاء عن الملفات المسكوت عنها، ليستقر مرساها الأخير في "دور رعاية الأطفال".
حلم الصحافة يراود "مها" منذ الصغر
راود "مها صلاح الدين" حلم الصحافة قبل أن تبدأ دراساتها الجامعية، وعدم وجود آداب قسم إعلام بجامعة القاهرة، جعلها تتخصص في الآداب قسم العبري، وأكدت أن القدر ساقها إلى الطريق الصحيح "هناك اتعلمت صحافة بجد"، وبدأ مشوارها الصحفي من خلال جماعة الصحافة في "اللجنة الثقافية" باتحاد كلية الآداب، وخرج أول موضوع صحفي لها وهي في عمر الـ 17، وكان حوار مع نجم الكرة المصرية والزمالك الأسبق "فاروق جعفر".
وفي عامها الجامعي الثاني تولت أمر "الصفحة الرياضية" في مجلة الكلية، كما أسست جماعة الإذاعة الإلكترونية، وكانت جريدة الجمهورية بداية تدريباتها الصحفية، ودشنت مع مجموعة من الصحفيين "راديو إلكتروني" في الصحيفة، وفي عامها الجامعي النهائي تولت أمر اللجنة الثقافية في مجلة الكلية، وكانت أول أمين للجنة الثقافية في كلية الآداب بعد الثورة.
تزامن تخرج "مها" مع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، ومع الظروف التي مرت بها البلاد لا تسنح لها فرصة الالتحاق بالعمل الصحفي، ومر عام امتهنت فيها العديد من المهن الأخرى من أجل تحقيق الاستقلال المادي.
"راديو حريتنا" النافذة الصحفية الأولى
"الصحافة إدمان لو بعدت عنها محبش روحي، ولا حياتي، أحس أني مش عايشة، أكتر لحظة بلاقي فيها نفسي وأنا بشتغل" وصفت مها حبها للعمل الصحفي التي بدأت فيه بشكل فعلي بعد تخرجها بعام ولكن دون مقابل مادي، وفي مواقع صغيرة، وكانت أول نافذة رجوع حقيقية لمها راديو "حريتنا"، ثم "شبكة حقوق الإخبارية"، ثم اختيرت من قبل الصحفي الراحل "عبدالله كمال" للعمل في موقع "دوت مصر" الذي استمرت فيه فيما يقرب من الثلاث سنوات.
ووصفت "مها" نفسها بـ"صحفية شارع"، التي حاولت أن تنفذ ذلك خلال عملها بـ"دوت مصر"، وأنجزت العديد من التحقيقات الهامة التي اعتمدت على تقنيات التصوير والفيديو والمونتاج والديجيتال ميديا، وأثقلت حياتها الصحفية بالتدريبات في العديد من المنظمات المحلية والدولية، فحصلت على تدريبات متعددة من "التحرير لاونج"، كما حصلت على دورة الصحافة الاستقصائية ومهارات الحوار والعمل كمراسل، من مؤسسة "فريدريش ناومان"، واتحاد الإعلاميات المصريات على يد العديد من المدربين، من أبرزهم الصحفي "هشام علام" والإعلامية "شهيرة أمين" ٢٠١٦.
التحقيقات الاستقصائية شغف "مها" الصحفي
"الصحافة اللي بجد بتخليكي تعيشي مليون حياة فوق حياتك، إنتي في أي مهنة تانية غير الصحافة عندك مهنة واحدة، ولأن المعايشة أساس الصحافة الاستقصائية، كان عندي الشغف ليها"، بدأت مها تتحدث عن التحقيقات الاستقصائية بشغف الباحث، وفيض من الحب، وكأن كل تحقيق لها بمثابة "مولودها" الذي ترعاه حتى يخرج إلى النور، فذكرت تحقيق "تحلية مياه البحر، وملف عن أزمة العائدين من ليبيا 2015 بعد قيام تنظيم "داعش" الإرهابي بذبح 21 مسيحي مصري في ليبيا، وتحقيق"رحلات فيس بوك vs شركات السياحة"، وحصلت على جائزة هاني درويش عنه بأفضل تحقيق نوعي ٢٠١٥ ، وملف عن معبد أبو سمبل، وأزمة عدم تعامد الشمس على وجه رمسيس في ٢٠١٦.
قراءة تحقيقات كثيرة، خصوصاً كل تحقيقات شبكة "أريج"، بالإضافة إلى الدليل الصادر عن الشبكة، وتحقيقات الإعلامي "يسري فودة"، أوضحت مها أن هذه الأدوات اعتمدت عليها في نمو الجانب الاستقصائي لديها ، ونصحت من يحب أن يدخل الاستقصاء بأن يمتلك الأدلة والمستندات التي تمكنه من تحقيق الفرضية التي يستقصي عنها .
واستكملت مها حديثها الذي نال جزء كبير من الحوار عن "الاستقصاء"، بأن الكشف عن حاجة غير مشروعة أو انتهاك تعمد أحد أن يخفي، هو واجب كل صحفي وهدفه الأسمى وأساس شغله، وهذا أساس الصحافة الاستقصائية، للوصول في النهاية لنقل معاناة الناس.
عملت "مها" على العديد من الملفات الهامة، وكان هدفها خلف كل عمل تجريه "الإنسان" كما قالت، فاهتمت بملف ذوي القدرات الخاصة، كما عملت على تغطية أزمة تسمم المياه في الشرقية، وتولت ملف "الآثار" لفترة كبيرة وكشفت العديد من الفساد في "وزارة الآثار" من خلال إجراء سلسلة حوارات مع أثريين مصريين عائدين من البؤر العربية الساخنة –على حد وصفها-، سلسة تحقيقات عن أزمة "هرم سقارة"، وتحقيق متعلق بالأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية، ولم تقف همة مها في عملها الصحفي عند هذا الحد بل دخلت إلى عالم الأفلام التسجيلية وخرج لها حتى الآن عملين إلى النور هما "الطريق الى التحرير" و"باب الخروج من رابعة".
موضوع جبل موسي قصة صعود في محراب كانت ساترين
موضوع المختطفون في طرابلس.. ليبيا تدين القتل ومصر تواصل البحث
محطة "أريج" للبحث عن حقوق المشردين من "بيزنس" دور الرعاية
عادت مها بالذاكرة عامين إلى الخلف لتسرد علمها مع شبكة أريج، التي بدأته عام 2014، ولكن لم تقبل فكرتها، ولكنها استمرت عام 2015 تفكر بالفرضية التي تقدمها وتخطط لمدة عام كامل، حتى استقرت على فكرة وفرضية قوية بما يتوافق مع شروط شبكة "أريج" للتحقيقات الاستقصائية، وكان مشاهدة مها لإحدى البرامج الاجتماعية هو الخيط الأول في تحقيقها "دور الرعاية ..حين تخرج المشردين"، وبدأت تفكر في الأولاد التي يتم طردهم من دور الرعاية ، وحينها تحدثت مع حقوقين في مجال "حقوق الطفل" وأجرت اتصال بـ"خط نجدة الطفل"، وتلقي الخط التابع للمركز القومي للأمومة والطفولة 4314 بلاغاً عام 2015، ومن هنا تأكدت أن هناك العديد من الأطفال تم تشريدهم.
ووصلت إلى حالة "نادر- 15" تعرض للطرد من قبل دار رعاية الظاهر في القاهرة، ليجد نفسه مستقر بوادي النطرون الذي هرب إليه عبر شاحنة ضخمة ، ومن هذه الحالة وصلت إلى 24 حالة ، ووثقت كل الحالات بتصوير الفيديو، واستمر التحقيق 11 شهرا، وصفته مها بأنه أصبح "كل حياتها".
وتعرضت للعديد من المتاعب مثل كسر الكاميرا الخاصة بها، وتوقفت خلال سردها لكواليس "التحقيق عند دار الأيتام الموجودة داخل "الكنيسة" وكان دخولها مستحيل، بل قامت بحيلة من أجل أن تدخلها، واطلعت على جميع المستندات والأدلة، وحصلت على العديد من الاعترافات والمواجهات من المسؤلين عن هذه الدور، وحضرت دكتوراه في قانون دور الرعاية، ووجدت أن الحالات التي صورت معها تمثل انتهاكاً صارخاً لقانون الطفل رقم 49 لسنة 2009، واللائحة التنفيذية للقانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون 126، وجميعها ينص على أن سن إبقاء الأبناء بدور الرعاية تمتد إلى 18 عاماً يجوز تمديدها في حالة الاستمرار في التعليم.
وخلال التحقيق حاولت مها التواصل مع وزارة التضامن الاجتماعي بشتى الطرق، وطرقت جميع الأبواب، لكن كان التجاهل والصمت هم المستقبل الوحيد لها، وحاولت التواصل مع الوزيرة بشتى طرق الاتصال دون أي رد.
وعلى صعيد آخر، عقب نشر التحقيق بيوم تم إقالة مدير إحدى دور الرعاية التي وردت في التحقيق، كما خرجت وزيرة التضامن الاجتماعي بعد النشر بأسبوع تعترف بمشكلة أطفال الشوارع.
وأعلن خلال مؤتمر أريج السنوي يوم السبت الموافق 3 ديسمبر إن تحقيق "دور رعاية الأطفال..حين تّخرج المشردين"، كان ضمن أفضل 5 تحقيقات استقصائية مكتوبة أنتجتهم أريج لهذا العام، ضمن القائمة النهائية لجوائز أريج " أول ما ظهر التحقيق في الفيلم، وصوررتي، مكنتش بعمل حاجة غير إني أعيط، مشاعر مطلغبة على فرحة، وحسيت أن ربنا عوضني"، بهذه الكلات بلمعة الفرحة ختمت "مها" حديثها مع موقع "احكي".
تحقيق دور رعاية الطفل حين تخرج المشردين
الكاتب
سمر حسن
الإثنين ٠٥ ديسمبر ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا